فاطمة عمراني
باهتمام أمي وفضول جارتي، كان أبو هشام، نادل مقصف الصيدلة، يستفسر كل يوم عن أخباري العاطفية، مستجدياً أي خبر عن علاقة جديدة لينال “حلوانها”.
في السنتين الثالثة والرابعة من دراستي الجامعية، قلّ شغف وحماس السنوات الأولى، وصارت جملة “عنا محاضرة” أشبه بعقوبة لي، فهربت من المحاضرات النظرية على مدرجات كلية الإعلام، واتجهت للصيدلة، ليس إلى كليتها وإنما لمقصفها.
مقصف كلية الصيدلة جمع شمل الطلاب باختلاف اختصاصاتهم، فطاولاته البلاستيكية الملوّنة وكراسيه التي لطالما تخاطفها الواقفون، تشاركها الطلاب كما تشاركوا خيباتهم بمحاضراتهم الجامعية المملة.
حملوا أحلامهم وهربوا بها إلى المقصف، شيء واحد فقط كان راسخاً ثابتاً لا يتبدّل فيه مع مرور السنين وتوالي دفعات الطلاب: “أبو هشام”، الملقّب بـ “وزير مقصف الصيدلة”.
مذ كنت مستجدّة وحتى أصبحت خريجة، لم يتبدّل وجه أبو هشام على الإطلاق، خلال سنواتي الأربع شاهدته واقفاً بوجهه الودود وبذلته الرسمية التي يتخلى عن جاكيتها صيفاً.
ما إن تحط مؤخرة الطالب على إحدى الكراسي، حتى يسارع أبو هشام إليه حاملاً سؤاله المعتاد: “شو بتحب تشرب؟”، لكن سؤاله الموجه إليّ كان مختلفاً، فأبو هشام الذي حفظ مشروبي المفضل، يسألني دائماً: “شو لسّا ما في حدا؟”، مستنكراً عدم ارتباطي بالرغم من اكتظاظ المقصف والجامعة بالشباب.
أربعة أعوام ملّ أبو هشام خلالها من سؤاله المكرر، فعوّضه خلال الفصل الأخير من السنة الرابعة بسؤال: “شو إيمتا التخرج؟ بدّي الحلوان”.
لطالما أصرّ أبو هشام على الحلوان، فاعتقدتُ أن علبة شوكولاتة فاخرة أو قميصاً جديداً سيرضيه.
تخرّجت من الجامعة ولم أكفّ عن ارتياد مقصف الصيدلة، في بادئ الأمر كنت أتهرّب من أبو هشام لأنني كنت أنسى الحلوان مرة وأتناساه مرات، حتى تمكن أبو هشام أخيراً من ملاحظتي فهرع إليّ قائلاً: “تخرجتي صح؟ مبروك!”، غمرتني السعادة بابتسامة مشرقة، باغتني الرجل الستيني: “وين الحلوان؟”، انفجرتُ ضاحكة واعترفتُ له أنني أتناسى الحلوان لأن كيلو الشوكولاتة الفاخرة اليوم بعشرة آلاف، ربّت أبو هشام على كتفي ونظر إلى عينيّ: “بس أنا ما بدي شوكولا، بدي شوف الفرحة بعيونك وهالابتسامة الحلوة بس”.
الأيام