براءة الطرن
لا أحب نزار قباني، ولم أقرأ قصائده منذ كنت في الإعدادية، إلا أن قصيدة رثاء بلقيس كانت استثناء في بعض أبياتها، لاسيما جملته التي لم تفارق ذاكرتي يوماً “تذبحني التفاصيل الصغيرة في علاقتنا، تجلدني الدقائق والثواني”.
لطالما بررت حبي للقصيدة بأن نزار كان صادقاً، خسارته كانت صادقة، ألمه، وحزنه أيضاً، أو لأني أهوى سيناريوهات الفراق، أقتل البطل في مخيلتي، أحضر جنازته، وأبحث عن مرثية، وكلما رحل بطل في مخيلتي، أو في الواقع احتفظت بالجملة لي وحدي، لم يكن أحد الراحلين يستحقها حقاً.
اليوم تجلدني الدقائق والثواني، خسارتي صادقة، ألمي، وحزني أيضاً، أبحث عنك في رسائل الآخرين، تذبحني التفاصيل الصغيرة، أود إخبارك بها، فالآخرين غير مهتمين بعدم معرفتي بهاندكه، توكارتشوك اللذين فازا بنوبل الآداب، ولا أستطيع إخبارهم أني سأقرأ لهم في العطلة لأقارنهما بكونديرا الذي يجمعنا أنا وأنت، فهو لا يجمعنا أنا وهم، غير مهتمين بتفاصيل العمل الممل، شعوري بالوحدة، ولا يفهمون النكات التي لطالما ضحكنا عليها، كما أني لا أستطيع مناقشة الفيلم الذي لطالما خططنا لمشاهدته معهم، لا أقدر على شرح خيبتي في القصة، كما لا أستطيع أن أقول لغريب أني لا أنام، وأن الكوابيس تلاحقني.
رحلت واقعاً هذه المرة، تاركاً لي التفاصيل الصغيرة، الدقائق، والثواني، ما إن أفتح فمي لأقول في رثاءك جملة نزار الذي لا أحبه، حتى تمحيها جملة درويش الذي أحبه “لا تستحق قصيدة حتى ولو مسروقة”، لا تستحق.
الأيام